عودة إيمريك لابورت الصفقة الذهبية تحول أتلتيك بيلباو إلى مرشح حقيقي لدوري الأبطال تحت قيادة فالفيردي.
في أمسية من أمسيات أغسطس الحارة، تحققت معجزة كروية حقيقية في سان ماميس. إيمريك لابورت، المدافع الذي غادر أتلتيك بيلباو قبل سبع سنوات في صفقة قياسية، يعود الآن إلى البيت الذي شهد نشأته الكروية الأولى. هذه العودة ليست مجرد انتقال عادي، بل تتويج لمشروع طموح يهدف إلى إعادة أتلتيك بيلباو إلى المقدمة الأوروبية.
النادي الباسكي، الذي يعيش حالياً في حالة نشوة مطلقة بعد انطلاقة مثالية في الليجا بثلاث انتصارات متتالية، نجح في إتمام واحدة من أعقد الصفقات في تاريخه الحديث. لابورت لم يأتِ فقط كتعزيز دفاعي، بل كرمز لطموحات النادي الكبيرة في الموسم المقبل، خاصة مع المشاركة المنتظرة في دوري الأبطال.
هذه الصفقة تأتي في توقيت مثالي، حيث يواجه فالفيردي أزمة حقيقية في خط الدفاع. إيقاف يراي بسبب نتيجة إيجابية في اختبار المنشطات خلال الدوري الأوروبي الماضي، إضافة إلى الإصابة الخطيرة في الركبة التي تعرض لها الشاب إيجيلوث، جعلا من التعاقد مع مدافع من عيار لابورت ضرورة حتمية وليس مجرد رفاهية.
مفاوضات شاقة مع الذهب السعودي
الطريق إلى إتمام هذه الصفقة لم يكن مفروشاً بالورود. المفاوضات مع النصر السعودي امتدت لشهرين كاملين من المد والجزر، في واحدة من أصعب المفاوضات التي خاضها النادي الباسكي في تاريخه الحديث. اللاعب الفرنسي-الإسباني، الذي انتقل إلى الدوري السعودي بعقد خيالي يضمن له 25 مليون يورو صافية سنوياً لمدة ثلاث سنوات، وجد نفسه في موقف معقد.
خورخي خيسوس، مدرب النصر، فتح باب الخروج أمام لابورت منذ بداية الصيف، خاصة بعد التعاقد مع إينيجو مارتينيث كبديل جاهز. لكن التعقيدات المالية كانت هي العقبة الأكبر. النادي السعودي كان مستعداً لمنح اللاعب حريته، لكن مسألة تعويض الراتب الضخم المتبقي في العقد تطلبت تدخلاً استثنائياً من جانب أتلتيك.
هنا ظهر دور إيبايغاني، رئيس مجلس إدارة النادي، الذي اضطر للتدخل شخصياً لكسر الجمود. القرار بدفع حوالي 10 ملايين يورو كتعويض جزئي لفسخ العقد مع النصر لم يكن سهلاً، لكنه كان ضرورياً لإتمام الحلم. هذا الاستثمار الضخم يعكس مدى جدية النادي في بناء فريق قادر على منافسة كبار أوروبا.
استثمار في القمة السلمة الراتبية
التضحيات المالية لم تتوقف عند تعويض النصر. أتلتيك بيلباو اضطر أيضاً إلى وضع لابورت في قمة الهرم المالي للفريق، بأجر سنوي يقارب 7 ملايين يورو. هذا الراتب، وإن كان أقل بكثير مما كان يتقاضاه في السعودية، يمثل استثماراً كبيراً لنادٍ معروف بحرصه على الانضباط المالي.
هذا القرار يحمل رسالة واضحة: أتلتيك جاد في طموحه الأوروبي. وضع لابورت في قمة السلم المالي ليس فقط تقديراً لقدراته، بل أيضاً إشارة لبقية اللاعبين والسوق الأوروبية أن النادي الباسكي عاد بقوة إلى خريطة الكبار.
الرئيس أورياريتي والإدارة واجهوا انتقادات من بعض الأصوات التي ترى هذا الإنفاق مفرطاً، لكن الرؤية طويلة المدى تبرر هذا الاستثمار. المشاركة في دوري الأبطال تحمل عوائد مالية ضخمة، والنجاح فيها قد يعوض كل ما تم إنفاقه على هذه الصفقة وأكثر.
تحدي العودة للإيقاع التنافسي
التحدي الأكبر الذي يواجه لابورت الآن ليس مالياً أو إدارياً، بل بدنياً وتقنياً. اللاعب لم يخض مباراة رسمية منذ شهر أبريل الماضي، مما يعني أنه بحاجة إلى وقت للعودة إلى مستواه الأمثل. هذا التوقف الطويل، رغم أنه قد يبدو عيباً، إلا أن فالفيردي يراه فرصة لإعداد اللاعب وفقاً لخططه التكتيكية الخاصة.
المنافسة في خط دفاع أتلتيك شرسة حالياً. فيفيان وباريديس يقدمان مستوى استثنائياً، مما يعني أن لابورت سيحتاج للقتال بقوة للحصول على مكانه في التشكيلة الأساسية. هذه المنافسة الداخلية قد تكون أفضل ما يحتاجه النادي، حيث ستدفع جميع المدافعين لتقديم أفضل ما لديهم.
فالفيردي، الذي رفض مسبقاً فكرة الاعتماد على أوناي نونيث المُعار من سيلتا والذي انتهى به المطاف في هيلاس فيرونا، يرى في عودة لابورت الحل الأمثل لمشاكل الدفاع. المدرب الباسكي كان يعتمد على الشاب دي لويس كحل مؤقت، لكن الآن يمتلك خيارات أكثر ثراء وعمقاً.
رحلة من ليزاما إلى العالمية
قصة لابورت مع أتلتيك بيلباو تقرأ كرواية كروية حقيقية. وصوله إلى ليزاما عام 2010 من أفيرون بايونيس الفرنسي وهو في السادسة عشرة من عمره، كان بداية حلم لم يتصور أحد وقتها أنه سيصل إلى هذه المستويات العالمية.
المولود في آجين الفرنسية، اتخذ قراراً جريئاً بترك وطنه والانضمام لأكاديمية أتلتيك الشهيرة. في الأقسام السفلى، أظهر موهبة استثنائية كمدافع أيسر يتمتع بقدرة عالية على قراءة اللعب، ذكاء تكتيكي مميز، وقوة هائلة في المباريات الهوائية. هذه المواهب جعلته يتألق سريعاً ويصل إلى الفريق الأول خلال عامين فقط.
الذروة جاءت في موسم 2013-14، الذي شهد تحوله من موهبة واعدة إلى نجم حقيقي تحت قيادة إرنستو فالفيردي. هذا الموسم لم يشهد فقط ترسيخ مكانته في التشكيلة الأساسية، بل أيضاً تطوير أسلوب لعبه ليصبح مدافعاً شاملاً قادراً على بناء الهجمات من الخلف.
صفقة مانشستر سيتي التاريخية
النجاح مع أتلتيك لفت أنظار عمالقة أوروبا. مانشستر سيتي، برشلونة، وبايرن ميونيخ كانوا جميعاً يتابعون تطوره باهتمام كبير. لكن السيتي كان الأسرع والأكثر حسماً، حين فعّل بند الشرط الجزائي البالغ 65 مليون يورو عام 2017.
هذا المبلغ، الذي كان قياسياً بالنسبة لمدافع في ذلك الوقت، أثبت صحة رؤية النادي الإنجليزي. لابورت أصبح عمود الدفاع في مانشستر سيتي وساهم في تحقيق العديد من الألقاب المحلية والأوروبية. تجربته في الدوري الإنجليزي أضافت له بُعداً جديداً، حيث تعلم التعامل مع أساليب لعب مختلفة ومستوى بدني أعلى.
عودة الابن البار
الآن، بعد سبع سنوات من المغامرات في مانشستر والسعودية، يعود لابورت إلى البيت الذي شهد ولادته الكروية. هذه العودة تحمل معاني عميقة تتجاوز الجانب الرياضي. إنها عودة ابن بار إلى أصوله، بعد أن تراكمت لديه خبرات وتجارب ثرية.
اللاعب يعود وهو في أوج نضجه الكروي، مع عائلة استقرت وحققت أحلامها المالية، ورغبة صادقة في العودة إلى الشعور بمتعة كرة القدم بعد فترة طويلة من التوقف. هذا الدافع النفسي قد يكون أقوى من أي دافع مالي أو تجاري.
كأس العالم المقبل يمثل هدفاً إضافياً للابورت، الذي يريد العودة إلى منتخب إسبانيا بقوة. المشاركة المنتظمة مع أتلتيك في مباريات عالية المستوى، خاصة في دوري الأبطال، ستكون الطريق المثالي لتحقيق هذا الحلم.
مستقبل واعد في سان ماميس
مع تجديد نيكو ويليامز، وصول روبرت نافارو لتقوية الهجوم، وضم خيسوس أريسو للدفاع، تصبح صفقة لابورت اللمسة الأخيرة في لوحة فنية متكاملة. أتلتيك بيلباو يبدو الآن كفريق قادر على منافسة أي خصم، محلياً أو أوروبياً.
التوقعات مرتفعة، والآمال كبيرة، والأحلام مشروعة. عودة لابورت ليست مجرد صفقة انتقالات، بل استثمار في المستقبل وإعلان عن عودة أتلتيك إلى الواجهة الأوروبية بقوة.