دانيال ريولو لا يعرف المجاملة، وهذه المرة لم يستثنِ أولمبيك مارسيليا من انتقاداته الحادة. المحلل الفرنسي الشهير وضع إصبعه على الجرح مباشرة: النادي المرسيلي بنى تشكيلة قوية، لكنه تأخر كثيراً، والثمن قد يكون باهظاً.
في اللحظات الأخيرة من سوق الانتقالات الصيفي، عاش الكانابيير فوضى حقيقية. اثنا عشر لاعباً دخلوا النادي، واثنا عشر آخرون غادروا. ثورة كاملة في تشكيلة مارسيليا، كما جرت العادة كل صيف في هذا النادي الذي لا يعرف معنى الاستقرار.
الأسماء التي رحلت كانت مؤثرة بالفعل: أدريان رابيو، جوناثان رو، لويس هنريكه، كوينتن مارلان. وجوه ألفها الجمهور المرسيلي وارتبط بها، لكن الإدارة قررت أن الوقت حان لتغيير جذري لا رجعة فيه. في المقابل، الوجوه الجديدة حملت بريقاً مختلفاً يصعب تجاهله: بنجامين بافار القادم من إنتر ميلان، بيير-إيميريك أوباميانغ، إيغور باييشاو، نايف أكرد، آرثر فيرميرين، وفاكوندو مدينا.
ريولو نفسه لم يستطع إخفاء إعجابه بالمستوى النظري لهذه المجموعة. في برنامج “الآفتر فوت” على إذاعة RMC، قال بوضوح تام: “بشكل عام، لا يمكن إلا أن يكون هذا أمراً جيداً لمارسيليا نظراً لوجود لاعبين أكفاء فقط”. ثم أضاف بنبرة حاسمة لا تقبل الجدل: “على الورق، لم نشهد منذ سنوات طويلة تشكيلة بهذه القوة في مارسيليا”.
الكلام جميل والأسماء لامعة، لكن ريولو لم يتوقف عند حدود المديح والإطراء. السؤال الذي طرحه كان محرجاً للغاية بالنسبة لإدارة النادي: لماذا كل هذا التأخير؟
التوقيت الكارثي يفسد الفرحة
الإعلامي الفرنسي المثير للجدل لم يجد تفسيراً منطقياً لهذا التأخر سوى الحسابات المالية البحتة. قال بسخرية لا تخفى: “تكلف هذه الصفقات أقل حين تتم في نهاية فترة الانتقالات. لقد أصبح هذا الأمر نمطاً متكرراً يعرفه الجميع”.
المشكلة الحقيقية أن هذا التأخير جاء في أسوأ توقيت ممكن. مارسيليا بدأ الموسم بهزيمتين متتاليتين، والأجواء داخل الفريق متوترة بشكل واضح. روبرتو دي زيربي، المدرب الإيطالي، يبدو مرتبكاً في التعامل مع الأزمة المبكرة غير المتوقعة، والآن عليه أن يدمج اثني عشر لاعباً جديداً في تشكيلة تعاني أصلاً من مشاكل واضحة.
ريولو لم يترك دي زيربي دون انتقاد هو الآخر، لكنه أدرك أن المدرب وجد نفسه في موقف صعب للغاية ليس من صنع يديه. كيف تبني منظومة تكتيكية متماسكة وأنت تستقبل نصف فريق جديد بعد انطلاق البطولة بالفعل؟ كيف تخلق انسجاماً حقيقياً بين لاعبين لم يلعبوا معاً من قبل، وأنت تحت ضغط النتائج السيئة التي لا ترحم؟
الجماهير المرسيلية المعروفة بصبرها القصير وحماسها الجنوني لن تنتظر طويلاً. التوقعات مرتفعة جداً، والاستثمار كان ضخماً بكل المقاييس، والوعود التي قُطعت كانت كبيرة. لكن الواقع حتى هذه اللحظة لا يبشر بالخير أبداً.
ريولو وضع النقاط على الحروف بوضوح شديد: إذا فشل المشروع، فلن يكون السبب نقصاً في الجودة أو الموهبة لدى اللاعبين، بل سيكون بسبب سوء الإدارة والتخطيط الاستراتيجي. النادي اختار توفير المال على حساب الوقت الثمين، والآن قد يدفع ثمناً باهظاً لهذا القرار القصير النظر.
الضغط الآن على عاتق دي زيربي أكبر من أي وقت مضى في مسيرته. المدرب الإيطالي الذي جاء بسمعة طيبة من برايتون وأسلوب لعب جذاب، يجد نفسه في اختبار حقيقي لقدراته الإدارية والفنية معاً. هل يستطيع تحويل هذه المجموعة من النجوم الفردية إلى فريق متماسك يلعب بروح واحدة؟ هل لديه الوقت الكافي لذلك قبل أن ينفد صبر الجماهير المتعطشة للانتصارات، أو قبل أن تتخذ الإدارة قراراً متسرعاً؟
المدرب الإيطالي معروف بفلسفته في الضغط العالي وكرة القدم الهجومية الجريئة، لكن تطبيق هذه الفلسفة يتطلب وقتاً وتدريبات مكثفة. اللاعبون الجدد يحتاجون إلى استيعاب المتطلبات التكتيكية المعقدة، فهم حركات بعضهم البعض، وبناء الثقة المتبادلة. كل هذا لا يحدث بين ليلة وضحاها، خاصة مع نصف فريق جديد تقريباً.
ما الذي ينتظر مارسيليا؟
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بكل معنى الكلمة. مارسيليا بنى تشكيلة قوية على الورق، لكن الملعب لا يعترف بالحسابات الورقية ولا بأسماء اللاعبين الكبيرة. النتائج وحدها ستحكم في النهاية، والوقت بالتأكيد ليس في صالح أي طرف.
التحدي الأكبر أمام دي زيربي سيكون تحقيق التوازن الصحيح بين الاستعجال والصبر. الجماهير تريد نتائج فورية، لكن بناء فريق حقيقي يحتاج وقتاً لا يمكن اختصاره. النادي استثمر مبالغ كبيرة واستقدم أسماء مهمة، لكن الانسجام الجماعي لا يُشترى بالمال.
ريولو، كعادته دائماً، قال ما يعتقد أنه الحقيقة دون تجميل أو مواربة. قد يكون قاسياً في أحكامه أحياناً، لكنه نادراً ما يكون مخطئاً في تحليلاته. مارسيليا يملك الأدوات والإمكانيات المطلوبة، لكنه أضاع ميزة الوقت الثمينة، وفي كرة القدم الحديثة شديدة التنافسية، الوقت لا يقل أهمية عن المال أو جودة اللاعبين.


