تسعون دقيقة من الكمال الكروي تحولت إلى كابوس مروع في لحظات معدودة. بوروسيا دورتموند كان يتقدم بنتيجة مريحة 4-2 على يوفنتوس في معقله أليانز ستاديوم، والفوز الثمين بدا مؤكداً ومحسوماً. لكن الوقت بدل الضائع اللعين حمل معه انهياراً مريعاً وغير مفهوم، وتعادلاً مذلاً 4-4 سيطارد الأصفر والأسود لأشهر طويلة قادمة.
الكلمة السحرية التي تتردد في دورتموند هذا الموسم هي “النضج”. بعد “الذهنية” التي انتقدها ودمرها ماركو رويس في مواسم سابقة، و”الكثافة” و”الثبات” التي كانت عناوين الموسم الماضي، يبحث دورتموند مجدداً عن النضج المفقود: كرة قدم بالعقل الراجح، الصبر الكافي، الذكاء التكتيكي، الخبرة المطلوبة، والقدرة الحقيقية على عدم الانجرار وراء الاستفزازات أو الانفعالات.
طوال تسعين دقيقة كاملة، لعب دورتموند بنضج مدهش وغير معتاد عليه. في الشوط الأول تحديداً، شهدنا معركة استنزاف إيطالية حقيقية بكل معنى الكلمة، تنافس فيها الفريقان من تشكيل 3-4-3 متطابق تقريباً في كل التفاصيل. استحواذ أكبر على الكرة دون تهور غير مبرر، عدم المخاطرة المبكرة أو الطائشة، خط دفاع منضبط ومحكم، ضغط عكسي فعال ومنظم. النتيجة الطبيعية؟ دفاع صلب محكم لم يتسرب منه سوى تسديدة بعيدة المدى غير خطيرة.
الشوط الثاني انفجر هجومياً بشكل مفاجئ ومثير للدهشة. تسديدة بيير القوية على القائم فتحت شهية الفريق، ثم أديمي يفتح النار أخيراً (1-0)، كنان يلديز يعادل بسرعة (1-1)، نميشا يعيد التقدم خلال 85 ثانية فقط (2-1)، فلاهوفيتش يعادل مجدداً (2-2)، كوتو يُحرز الثالث الجميل بعد 6 دقائق فقط (3-2)، وبن سبعيني يختتم الحفلة بركلة جزاء أنيقة التنفيذ (4-2). الأهداف انهمرت بإيقاع أسرع بكثير من مباراة كرة يد، والفوز بدا محسوماً تماماً.
يجب أن نلعب كرة قدم أكثر نضجاً بكثير
“يجب أن نلعب كرة قدم أكثر نضجاً بكثير”. جريجور كوبل لخص المأساة الكاملة بهذه الكلمات القليلة البسيطة. الحارس السويسري الموهوب اختار نفس الكلمة بالضبط التي تطارد دورتموند وتؤرقه منذ بداية الموسم الحالي.
رامي بن سبعيني ويان كوتو، اللذان كانا من أبرز نجوم المباراة وأفضل اللاعبين أداءً، تحولا بشكل مأساوي إلى رمزين واضحين للانهيار المدوي. الدقيقة 94: بن سبعيني حاول حلاً فنياً أنيقاً ومعقداً بدلاً من الإبعاد الحاسم والبسيط، تجاهل تماماً تعليمات كوفاتش الواضحة بالتصرف بحزم وعدم المخاطرة. النتيجة المباشرة؟ هدف يوفنتوس الثالث الذي أشعل الأمل في نفوس الإيطاليين.
الدقيقة 96: كوتو رفض بعناد الذهاب للعلم الركني لإضاعة الوقت الثمين كما هو متوقع في مثل هذه المواقف. اختار بدلاً من ذلك تمريرة خلفية محفوفة بالمخاطر الكبيرة ولا داعي لها إطلاقاً. النتيجة الكارثية؟ بداية الهجمة السريعة التي أسفرت عن التعادل الرابع المدمر.
الطامة الكبرى والأكثر إيلاماً: خمسة لاعبين من دورتموند فشلوا فشلاً ذريعاً في مراقبة لويد كيلي، اللاعب الوحيد والوحيد من يوفنتوس المتواجد داخل منطقة الجزاء عند تنفيذ عرضية فلاهوفيتش الأخيرة. خمسة ضد واحد فقط، والنتيجة المذلة؟ هدف التعادل القاتل الذي أضاع الفوز المستحق.
مع نهاية الدقيقة التسعين الأصلية، كان بإمكان دورتموند الاحتفال بتحقيق خمسة انتصارات متتالية من خمس مباريات متواصلة. لكن التاريخ المؤلم يعيد نفسه بإصرار غريب: كما حدث بالضبط أمام سانت باولي حيث ضاعوا نقطتين ثمينتين في الدقائق الأخيرة بطريقة غبية، تتكرر المأساة ذاتها في دوري الأبطال الأوروبي الأهم.
المشكلة الحقيقية ليست جديدة على الإطلاق. في السنوات الأخيرة الماضية، خسر دورتموند فرصاً عظيمة بل ألقاباً كاملة ومستحقة بسبب إهمالات وأخطاء من صنع اليد البشرية. سواء كان العنوان “الذهنية” أو “الثبات” أو “الكثافة” أو “النضج”، المعضلة الأساسية واحدة لا تتغير: عدم القدرة المزمنة على الحفاظ على التركيز العالي في اللحظات الحاسمة والحرجة.
الجوانب الإيجابية كانت استثنائية حقاً ولا يمكن إنكارها: انضباط تكتيكي صارم لمدة تسعين دقيقة كاملة، مرونة رائعة في التكيف مع تحركات الخصم، فعالية هجومية واضحة، عمق حقيقي في المقاعد البديلة، وشخصية قيادية واعدة من اللاعبين الشباب. لكن كل هذا الجهد والإنجاز انهار تماماً في دقيقتين فقط لا غير.
نقاط الضعف المزمنة والقاتلة تحتاج بشكل عاجل إلى حلول جذرية وليست ترقيعية: ضعف واضح في إدارة اللعبة خلال الدقائق الأخيرة، قرارات فردية خاطئة ومتسرعة تحت الضغط النفسي، فقدان مفاجئ للتركيز الجماعي في اللحظات الحاسمة، وعدم تطبيق تعليمات المدرب الواضحة في المواقف الحرجة التي تحتاج حكمة.
نيكو كوفاتش يواجه الآن اختباراً حقيقياً وصعباً في إدارة العقلية والجانب النفسي أكثر بكثير من التكتيك والجانب الفني. الهزيمتان الأوليان في الموسم – لأن هذا التعادل في مثل هذا الموقف المريح يُحسب بالتأكيد هزيمة نكراء – يجب أن تكونا جرس إنذار صاخباً وربما درساً مفيداً ومؤلماً في الوقت نفسه.
التحديات الكبيرة المقبلة واضحة: زرع ثقافة حقيقية للصبر والحكمة في اللحظات المتأخرة، تدريب مكثف على سيناريوهات إدارة النتيجة المتقدمة بذكاء، تطوير القيادة الواعية داخل الملعب بين اللاعبين أنفسهم، وبناء ذهنية صلبة تحافظ على التركيز الكامل لمدة 98 دقيقة وليس 90 دقيقة فقط.
الفرق بين الطموح والواقع
الفرق العظيمة حقاً تتميز بقدرتها الفائقة على استغلال إمكانياتها وطاقاتها طوال المباراة بأكملها، حتى لو امتدت إلى 98 دقيقة أو أكثر من ذلك. تعلم هذا الدرس القاسي جزء أساسي وضروري من التطور الواعد الذي يشهده الفريق حالياً. إنه ببساطة تامة جزء لا يتجزأ من النضج المطلوب.
مساء تورينو القاتم قدم لدورتموند مرآة قاسية جداً تعكس بوضوح المسافة الحقيقية بين الطموح الكبير والواقع المؤلم. الطريق الطويل للقمة الأوروبية يتطلب نضجاً حقيقياً وعميقاً لا يقتصر على تسعين دقيقة تقليدية، بل يمتد لكل ثانية من عمر المباراة، خاصة الثواني الأخيرة الحاسمة التي تحدد في النهاية مصير الأحلام الكبيرة أو الكوابيس المزعجة.
كوفاتش يملك بين يديه المواهب الكروية والقدرات الفنية الكافية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الرأس والذهنية وليست في القدمين والمهارات. النضج الحقيقي والعميق لا يُباع أو يُشترى في سوق الانتقالات الصيفية مهما كانت الأموال متوفرة، بل يُبنى بصبر من خلال التجربة المتراكمة والألم القاسي.


