4.5 مليون طلب في عشرة أيام فقط. الرقم ليس مجرد إحصائية، بل يكشف حجم الهوس الذي أصاب ملايين عشاق الكرة المستديرة حول العالم. كأس العالم 2026 لم تنطلق بعد، لكن الحرب على التذاكر بدأت فعلاً، والساحة الرئيسية؟ الولايات المتحدة الأمريكية.
ما حدث بين التاسع والتاسع عشر من سبتمبر على منصات فيفا الإلكترونية يمكن وصفه بالفوضى المنظمة. أكثر من مليون ونصف طلب في أول 24 ساعة وحدها، من 210 دولة مختلفة. الأمريكيون كانوا الأكثر جوعاً للتذاكر، يليهم المكسيكيون والكنديون، لكن المفاجأة الحقيقية جاءت من التنوع الجغرافي الهائل: 216 دولة ومنطقة دخلت هذا السباق المحموم.
من ألمانيا وإنجلترا إلى البرازيل والأرجنتين، ومن كولومبيا وإسبانيا إلى إيطاليا، الجميع يريد قطعة من الكعكة. السؤال الآن: كم واحد منهم سيحصل فعلاً على ما يريد؟
عندما يصبح السعر متقلباً مثل البورصة
لأول مرة في تاريخ المونديال، فيفا قررت أن تلعب لعبة جديدة: التسعير الديناميكي. بمعنى آخر، كلما زاد الطلب على مباراة معينة، ارتفع سعر التذكرة. قد يبدو الأمر عادياً لمن اعتاد على حجز تذاكر الطيران، لكن في عالم كرة القدم، هذا تحول جذري.
الأسعار تبدأ من 60 دولاراً لمباريات دور المجموعات، لكنها تقفز إلى 6,730 دولار للنهائي. للمقارنة فقط، في مونديال 1994 بأمريكا نفسها، كانت الأسعار تتراوح بين 25 و475 دولار. حتى قطر 2022 التي اشتهرت بالفخامة والأرقام الكبيرة، كانت أسعارها تصل إلى 1,607 دولار كحد أقصى. الآن؟ نحن نتحدث عن مستوى مختلف تماماً.
بعض باقات الضيافة في ملعب ميتلايف بنيوجيرسي – حيث سيقام النهائي – تصل إلى 73,200 دولار للشخص الواحد. نعم، قرأت الرقم صحيحاً. ليست شقة في نيويورك، فقط تذكرة مباراة.
متاهة الحصول على التذكرة
الحصول على فرصة للشراء لا يعني أنك ستشتري فعلاً. فيفا وضعت قواعد صارمة: أربع تذاكر كحد أقصى لكل شخص لكل مباراة، و40 تذكرة للبطولة بأكملها. المحظوظون الذين وقع عليهم الاختيار سيعرفون مصيرهم ابتداءً من 29 سبتمبر، والشراء الفعلي يبدأ في أول أكتوبر.
لكن القصة لا تنتهي هنا. المرحلة الثانية تنطلق في 27 أكتوبر تحت مسمى “السحب المبكر”، مع فترات شراء تمتد من منتصف نوفمبر حتى بداية ديسمبر. أما المرحلة الثالثة، فستأتي بعد القرعة النهائية في واشنطن يوم 5 ديسمبر، حين تتضح الصورة الكاملة للبطولة.
ميتلايف: قلب العالم لشهر كامل
ملعب ميتلايف في نيوجيرسي سيستضيف ثماني مباريات، من بينها المباراة الأهم: النهائي في 19 يوليو 2026. الملعب الذي يبعد رحلة قطار قصيرة عن مانهاتن، سيتحول إلى مركز الكون الكروي لأكثر من شهر.
جياني إنفانتينو، رئيس فيفا، يرى في هذه الأرقام أكثر من مجرد نجاح تجاري. “العالم كله يريد أن يكون جزءاً من كأس العالم 2026″، قال في تصريحات رسمية. ربما يبالغ قليلاً، لكن الأرقام تدعم كلامه إلى حد كبير. 48 منتخباً، 104 مباريات، 16 مدينة عبر ثلاث دول. هذه ليست بطولة عادية.
عندما تصبح الجغرافيا تحدياً
استضافة بطولة بهذا الحجم عبر ثلاث دول مختلفة؟ التحدي اللوجستي هائل. التنسيق بين السلطات الأمريكية والكندية والمكسيكية، تنظيم حركة ملايين المشجعين عبر الحدود، ضمان الأمن… كلها ملفات معقدة تحتاج حلولاً ذكية.
المباراة الافتتاحية ستشهد المكسيك في الأزتيكا – الملعب الأسطوري في مكسيكو سيتي – يوم 11 يونيو. كندا تفتتح مشاركتها في تورونتو بعدها بيوم، والأمريكيون يدخلون الحلبة في لوس أنجلوس في نفس التوقيت.
منصة إعادة البيع: ضربة لتجار السوق السوداء
فيفا قررت أن تواجه مشكلة قديمة بحل عصري. منصة إعادة بيع رسمية تنطلق في 2 أكتوبر، تسمح للمشجعين ببيع تذاكرهم بشكل قانوني وآمن. الهدف واضح: تقليص السوق السوداء وحماية المشترين من الاحتيال.
النظام التكنولوجي خلف كل هذا متطور جداً. خوارزميات تسعير ذكية، أنظمة أمان معززة، وتقنيات حديثة للتحكم في الطلب الهائل. كأس العالم 2026 لا يعيد تعريف البطولة فقط، بل يعيد تعريف طريقة بيع التذاكر نفسها.
الأثر الاقتصادي: مليارات على الطاولة
التقديرات تشير إلى عائدات مالية ضخمة من مبيعات التذاكر وحدها، ناهيك عن التأثير على الاقتصادات المحلية. الفنادق، المطاعم، النقل، التسوق… كل قطاع سيستفيد من تدفق ملايين الزوار. هذه البطولة محرك اقتصادي بكل معنى الكلمة.
لكن رغم كل هذا النجاح الظاهري، تبقى تحديات حقيقية. ملايين المشجعين لن يحصلوا على ما يريدون، وإدارة هذا الإحباط الجماعي ليست مهمة سهلة. كيف تضمن العدالة في التوزيع؟ كيف تمنع المضاربين من الاستفادة؟ أسئلة تحتاج أجوبة عملية.
معلومات أساسية للمتابعين:
- إشعار المحظوظين: 29 سبتمبر 2025
- بداية الشراء: 1 أكتوبر 2025
- المرحلة الثانية: 27 أكتوبر 2025
- القرعة النهائية: 5 ديسمبر 2025 (واشنطن)
- منصة إعادة البيع: 2 أكتوبر 2025
- النهائي: 19 يوليو 2026 (ميتلايف ستاديوم)
4.5 مليون طلب في عشرة أيام تحكي قصة أكبر من كرة القدم. تحكي قصة شغف يتجاوز الحدود والثقافات واللغات. من سيحالفه الحظ؟ الوقت وحده سيجيب، لكن شيء واحد مؤكد: صيف 2026 سيكون استثنائياً بكل المقاييس.


