روبرتو دي زيربي خرج من سانتياغو برنابيو محملاً بالمرارة والغضب. مارسيليا خسر 2-1 أمام ريال مدريد، لكن المدرب الإيطالي لم يكن منزعجاً من الهزيمة بقدر انزعاجه من الطريقة التي حُسمت بها المباراة. ركلة جزاء مثيرة للجدل، فرصة ضائعة بعد طرد كارفاخال، وشعور بأن فريقه كان قريباً جداً من مفاجأة أوروبية لم تكتمل.
“كان بوسعنا الفوز… هذا ليس انتقاداً، بل حقيقة”
المؤتمر الصحفي بدأ بنبرة إحباط واضحة: “أنا منزعج للغاية، كان بوسعنا الفوز… لدينا العديد من اللاعبين الجدد وليس من السهل إيجاد التفاهم المناسب بينهم بسرعة.”
دي زيربي لم يكن يبحث عن أعذار، بل كان يعبّر عن قناعة حقيقية بأن فريقه كان قادراً على الانتصار. ثم أوضح موقفه للاعبيه: “أعتقد أنه كان بإمكاننا فعل المزيد، قلت هذا للاعبين. ليس كانتقاد، لأنهم بذلوا كل ما لديهم في الملعب. بل لأننا كنا قادرين على الانتصار.”
هذا النوع من الحديث يعكس مدرباً يؤمن بقدرات فريقه، لكنه أيضاً يشعر بالإحباط لأن الأداء لم يُترجم لنتيجة. مارسيليا لم يكن ضعيفاً في برنابيو، لم ينهزم بسهولة، ولم يخرج من المباراة دون فرص حقيقية. لكن الفارق بين الأداء الجيد والنتيجة الإيجابية كان كبيراً – وهذا ما أزعج دي زيربي أكثر من أي شيء آخر.
ثم جاء السؤال الذي فجّر كل شيء. عندما سُئل عن ركلة الجزاء الثانية التي احتُسبت لريال مدريد، لم يتمالك دي زيربي نفسه: “ركلة الجزاء الثانية مخزية، لم تكن ركلة جزاء أبداً، كنت سأقول هذا حتى لو كانت لصالح فريقي. هذه ليست ركلة جزاء في أي حال من الأحوال.”
كلمة “مخزية” قوية جداً. ليست “خاطئة” أو “مشكوك فيها” – بل “مخزية”. دي زيربي كان غاضباً بشكل واضح من القرار، ولم يحاول التلطيف أو الدبلوماسية. في نظره، هذا القرار التحكيمي سرق من فريقه فرصة حقيقية للحصول على نتيجة إيجابية.
ثم ذهب أبعد من ذلك في تصريح جريء ومثير للجدل: “عندما أقول أنها مخزية، لا أفكر في شيء آخر. أقول إنها ليست ركلة جزاء، وسأقول هذا إذا حدث لصالحنا… ما حدث مع مدريد أمام ريال سوسيداد… لو كان الحكم اليوم بوسنياً… لا أفكر في أي من ذلك.”
الإشارة واضحة رغم محاولته نفيها. دي زيربي يلمّح إلى تحيز محتمل أو محاباة تحكيمية لريال مدريد، خاصة في برنابيو. ذكر مباراة ريال سوسيداد السابقة (التي شهدت جدلاً تحكيمياً أيضاً)، وذكر جنسية الحكم – كلها إشارات تحمل اتهامات ضمنية.
هذا النوع من التصريحات قد يكلفه غرامة أو عقوبة من الاتحاد الأوروبي، لكن دي زيربي لم يبدُ مهتماً بذلك. كان غاضباً، محبطاً، ويشعر بأن فريقه تعرض للظلم في لحظة حاسمة.
فرصة ضائعة بعد طرد كارفاخال
طرد كارفاخال في الدقيقة 65 كان نقطة تحول محتملة في المباراة. مارسيليا أصبح يلعب برجل إضافي لأكثر من 25 دقيقة، لكنه لم يستغل هذه الأفضلية كما ينبغي. هذا أزعج دي زيربي أيضاً.
“دخلنا الملعب بخوف أو خجل. ثم تحررنا. أشعر بالأسف الشديد لأننا بعد طرد كارفاخال لم نتمكن من التقدم عشرين أو ثلاثين متراً إضافية للذهاب لكسب المباراة.”
اعتراف صريح بأن الفريق لعب بحذر زائد، ربما بسبب هيبة المكان أو الخصم. برنابيو ليس ملعباً عادياً، وريال مدريد ليس فريقاً عادياً – حتى بعشرة لاعبين. الخوف أو الاحترام الزائد منع مارسيليا من فرض إيقاعه بشكل كامل.
ثم اعترف دي زيربي بتردده التكتيكي الخاص: “كان الوقت مناسباً للمخاطرة، ما زلنا في سبتمبر… أردت رؤية المزيد من الجرأة، لكنني أيضاً مسؤول، لأنني فكرت في اللعب بأربعة مهاجمين… كان ذلك هو الوقت المناسب لفعل ذلك.”
اعتراف نادر من مدرب بأنه تردد في اتخاذ قرار جريء قد يكون غيّر مجرى المباراة. دي زيربي فكّر في دفع أربعة مهاجمين للأمام واستغلال النقص العددي، لكنه تراجع – وهو الآن يندم على هذا التردد.
هذا النوع من الصدق نادر في كرة القدم الحديثة. معظم المدربين يحاولون تبرير قراراتهم أو إلقاء اللوم على عوامل خارجية. دي زيربي، بالمقابل، يعترف بمسؤوليته عن عدم استغلال الفرصة الذهبية التي منحها له طرد كارفاخال.
موقف متوازن من الطرد نفسه
رغم غضبه من ركلة الجزاء، كان دي زيربي أكثر توازناً في تقييم طرد كارفاخال: “أنا لم أكن لأُخرج تلك البطاقة الحمراء. لكن القانون هو ما هو. أعتقد أنه عندما توضع الرأس هكذا، ضد الرأس الأخرى، فهذا ليس مستوجباً للطرد، هذا رأيي.”
موقف منطقي. لا يتفق مع القرار، لكنه يعترف بأن الحكم طبّق القانون كما يراه. ليس هجوماً شخصياً أو اتهاماً بالتحيز – فقط اختلاف في التفسير.
وعن احتمال وجود مشادة بين كارفاخال وحارسه روللي (الذي كان قريباً من الحادثة): “لا أعرف، لم يخبرني أحد بأي شيء.” رد بسيط يعكس أن دي زيربي لم يكن مهتماً بتفاصيل الدراما الشخصية بقدر اهتمامه بالظلم التحكيمي الذي شعر به.
رؤية مستقبلية رغم المرارة
رغم كل الغضب والإحباط، حاول دي زيربي أن يجد جانباً إيجابياً: “هذه المباريات يجب أن تكون الوضع الطبيعي، المجيء إلى برنابيو، التعود يولد تأثيراً مختلفاً، يحقق قفزة من ناحية الطموح ورؤية أنفسنا كنادٍ عظيم في المستقبل.”
رسالة واضحة لإدارة مارسيليا واللاعبين: هذا هو المستوى الذي يجب أن نطمح للعب فيه بانتظام. برنابيو، دوري الأبطال، المواجهات الكبيرة – هذا يجب أن يكون الوضع الطبيعي لنادٍ بحجم مارسيليا، وليس استثناءً نحتفل به.
الخبرة المكتسبة من هذه المباراة – رغم الخسارة – قد تكون أثمن من أي فوز سهل في مباراة أقل أهمية. اللاعبون الشباب الذين لعبوا في برنابيو سيحملون هذه الذكرى والدروس معهم طوال مسيرتهم.
مدرب يؤمن بفريقه… ويشعر بالظلم
تصريحات دي زيربي بعد المباراة تكشف عن مدرب مؤمن تماماً بقدرات فريقه، لكنه يشعر بأن عوامل خارجية (قرارات تحكيمية مشكوك فيها) حرمته من نتيجة تاريخية. غضبه لم يكن من الأداء أو من اللاعبين، بل من شعوره بأن المباراة لم تُحسم بشكل عادل.
هل كان محقاً في غضبه؟ ركلة الجزاء الثانية كانت بالفعل مثيرة للجدل، وآراء الخبراء انقسمت حولها. لكن في النهاية، الحكم اتخذ قراره، والنتيجة لن تتغير.
ما يهم الآن هو كيف سيستفيد مارسيليا من هذه التجربة. دي زيربي أظهر شخصية قوية في الدفاع عن فريقه والتعبير عن غضبه بصراحة. لكنه أيضاً اعترف بأخطائه التكتيكية وبتردد فريقه في استغلال الفرص.
الدرس واضح: الأداء الجيد وحده لا يكفي في دوري الأبطال. تحتاج أيضاً للجرأة في اللحظات الحاسمة، والحسم أمام المرمى، وربما… قليل من الحظ مع القرارات التحكيمية.


