إنتر ميلان يخطف الصدارة من روما بهدف قاتل

إنتر ميلان يخطف الصدارة من روما بهدف قاتل

ست دقائق كافية لقلب موازين القمة

في ليلة كان من المفترض أن تكون احتفالاً بصدارة روما الوحيدة، حوّل إنتر ميلان الأولمبيكو إلى مسرح لإنجازه الخاص. هدف واحد سجله أنجي يوان بوني في الدقيقة السادسة كان كافياً لإسقاط الجيالوروسي على أرضهم، والأهم، لانتزاع حصة من الصدارة في مشهد يختصر روعة السيريا آ وقسوتها.

الفوز الثمين يضع النيراتزوري في القمة بالتساوي مع روما ونابولي، الذي سقط في وقت سابق من اليوم أمام تورينو بهدف جيوفاني سيميوني الانتقامي. كريستيان كيفو، المدرب الشاب لإنتر، يحقق الانتصار الرابع على التوالي ويثبت أن غياب النجم ماركوس تورام لم يكن عائقاً أمام طموحات فريقه.

روما من جهتها تتلقى الهزيمة الثانية هذا الموسم رغم عودة باولو ديبالا للتشكيلة، في ليلة لم يستطع فيها هجوم غاسبيريني إيجاد طريقه لشباك يان زومر حتى مرة واحدة. الجيالوروسي خلقوا الفرص، خاصة في الشوط الثاني، لكن النيراتزوري أظهروا صلابة دفاعية نموذجية في إدارة النتيجة حتى صافرة النهاية.

بوني يملأ الفراغ الذي تركه تورام

غياب تورام بسبب الإصابة كان يُثير القلق في معسكر إنتر قبل هذه القمة الحاسمة. المهاجم الفرنسي يُشكل ثنائياً قاتلاً مع لاوتارو مارتينيز، وخسارته تعني فقدان عمق هجومي واضح. لكن بوني، المهاجم الفرنسي القادم من بارما، أثبت أنه أكثر من مجرد بديل.

الهدف جاء من قراءة تكتيكية ذكية: نيكولو باريلا، عقل وسط إنتر، لاحظ تأخر ميرال سيليك في العودة للخط الدفاعي الرباعي. التمريرة العمودية اخترقت الدفاع، وبوني استغل سرعته للانفراد بحارس روما ميل سفيلار، قبل أن يسدد بهدوء وثقة كرة استقرت في الشباك.

بوني البالغ من العمر 24 عاماً، الذي انضم لإنتر صيف 2024 من بارما مقابل 15 مليون يورو، يواصل إثبات قيمته كخيار هجومي موثوق. هذا هدفه الثالث في الدوري هذا الموسم، وكلها جاءت في مباريات حاسمة، ما يؤكد قدرته على الأداء تحت الضغط.

روما تضغط دون جدوى: زومر الجدار المنيع

الشوط الثاني شهد هجوماً رومانياً متواصلاً في محاولة لإدراك التعادل. ديبالا، العائد من إصابة قصيرة، حاول نسج خيوطه السحرية في الدقيقة 57 عندما تلقى تمريرة ذكية من مانو كوني، لكن تسديدته القوية على القائم القريب واجهها زومر بتصدٍ حاسم حوّل الكرة لركنية.

الحارس السويسري البالغ من العمر 35 عاماً قدّم عرضاً بطولياً. في الدقيقة 58، تصدى لضربة رأس خطيرة من ماريو هيرموسو من ركنية، مستخدماً قبضته القوية لإبعاد الخطر. ثم في الدقيقة 64، عاد ليمنع محاولة ماتياس سوليه من داخل المنطقة، ملتقطاً الكرة بثقة رغم الضغط الهائل.

فرصة دوفبيك الضائعة: لحظة الندم

أوضح فرصة لروما جاءت بعد دخول أرتيم دوفبيك بديلاً في الدقيقة 55. الأوكراني وجد نفسه أمام مرمى خالٍ تقريباً في الدقيقة 59 بعد تمريرة عرضية مثالية، لكن ضربة رأسه اللامبالية مرت فوق العارضة في مشهد يختصر ليلة الإحباط الرومانية.

كلاوديو غاسبيريني، المدرب الأرجنتيني الذي تولى مسؤولية روما مطلع الموسم، أجرى تغييرات هجومية في محاولة لقلب النتيجة. إلى جانب دوفبيك، دخل الشاب نيكولا زيولكوفسكي، ثم لاحقاً تومي بايلي ولويس فيرغسون في تشكيلة مزدوجة المهاجمين. لكن كل المحاولات ارتطمت بجدار إنتر المنيع.

الدفاع النيراتزوري: درس في التنظيم

إنتر لم يكتفِ بالاعتماد على زومر وحده. الثلاثي الدفاعي – مانويل أكانجي، فرانشيسكو أتشيربي، وأليساندرو باستوني – قدّم أداءً متكاملاً في القراءة والمقاطعة والتغطية. باستوني تحديداً كان مميزاً بـ11 تدخلاً ناجحاً و7 كرات مقطوعة، بالإضافة لمحاولة تسديد من خارج المنطقة في الدقيقة 70 مرت قرب القائم بعد انحراف خفيف.

الظهيران الجناحيان دينزل دومفريز وفيديريكو ديماركو لعبا دوراً محورياً في الموازنة بين الواجبات الدفاعية والمساهمات الهجومية. دومفريز كاد يضيف الهدف الثاني في الدقيقة 50 بعد اختراق فردي استغل فيه ثغرة دفاعية رومانية، لكن سفيلار تصدى ببراعة.

كالهانوغلو: القائد الصامت

في قلب الملعب، كان هاكان كالهانوغلو يُدير إيقاع المباراة بحكمة القادة الكبار. القائد التركي لم يظهر في الإحصائيات الهجومية، لكن تأثيره كان واضحاً في توزيع الكرات، قطع الهجمات الرومانية، وفرض السيطرة على الوسط. 89 تمريرة ناجحة من أصل 97 محاولة، و8 كرات مستردة، أرقام تعكس الأهمية الحيوية للتركي في منظومة كيفو.

باريلا إلى جانبه قدّم عرضاً ديناميكياً آخر، مع التمريرة الحاسمة للهدف، ومشاركة دفاعية مستمرة، وحركة لا تتوقف بين الخطوط. الإيطالي يؤكد مباراة تلو الأخرى أنه من أفضل لاعبي الوسط في العالم حالياً.

التغييرات: كيفو يُحكم القبضة

مع تصاعد الضغط الروماني في الثلث الأخير من المباراة، لجأ كيفو لتعديلات تكتيكية ذكية حافظت على التوازن. في الدقيقة 61، سحب لاوتارو وكالهانوغلو وأدخل بيو إسبوزيتو ودافيدي فراتيزي، في رسالة واضحة: الحفاظ على النتيجة مع الاستعداد للهجمات المرتدة.

إسبوزيتو الشاب (21 عاماً) أظهر نضجاً لافتاً في حماية الكرة وإضاعة الوقت. في الدقيقة 84، استلم كرة تحت الضغط، حافظ عليها ببراعة، ومررها لفراتيزي الذي بدوره أوصلها لهنريخ مخيتاريان. الأرميني سدد من حركة “ركلة جزاء متحركة” لامست الكرة القائم دون أن تدخل.

الدقائق الأخيرة: عاصفة رومانية دون ثمار

الدقائق الخمس الإضافية شهدت هجوماً رومانياً يائساً. في الدقيقة 90، نفذ بايلي ركلة حرة سريعة وجد برايان كريستانتي الذي أطلق ضربة رأس مرت فوق العارضة بقليل. في الدقيقة 88، دوفبيك استلم كرة داخل المنطقة، دار على نفسه، وسدد تسديدة مركزية سهلة لزومر.

الثواني الأخيرة شهدت مشادات واحتكاكات، مع حصول تومي بالدانزي على بطاقة صفراء في الدقيقة 94 بعد خطأ قاسٍ على بيوتر زيلينسكي. لكن صافرة النهاية جاءت لتضع حداً لآمال روما وتُطلق احتفالات النيراتزوري.

البطاقات: انضباط نسبي رغم التوتر

رغم أهمية المباراة والتوتر الواضح، حافظ الطرفان على انضباط نسبي. إنتر حصل على ثلاث بطاقات صفراء: لاوتارو مارتينيز (الدقيقة 4) بعد خطأ على ويسلي فوفانا، مخيتاريان (75) على خلفية احتجاج، وزيلينسكي في الوقت بدل الضائع.

روما من جهتها تلقت ثلاث بطاقات أيضاً: إيفان ندي (41) لإيقاف هجمة خطيرة، زيولكوفسكي (68) لخطأ على إسبوزيتو، وبالدانزي في النهاية. هيرموسو كان مرشحاً للطرد بعد البطاقة الصفراء في الدقيقة 71 لإيقاف هجمة مرتدة، لكن غاسبيريني استبدله فوراً بحذر بإدخال بايلي.

الحكم ماسا: أداء متوازن

دافيدي ماسا، حكم اللقاء من إمبيريا، أدار المباراة بحزم نسبي دون أن يتدخل بشكل مفرط. القرارات الكبرى كانت صائبة، والبطاقات جاءت في محلها دون تجاوز. طاقم الفيديو بقيادة ماركو ميرافيليا لم يحتج للتدخل في أي موقف جدلي، ما يعكس وضوح القرارات على أرضية الملعب.

التحليل التكتيكي: كيف فاز كيفو بمعركة الأفكار؟

كيفو اعتمد على خطة واضحة: الضغط المبكر لتسجيل هدف سريع، ثم التراجع لتشكيلة 5-3-2 دفاعية مع الحفاظ على خيارات الهجوم المرتد. الخطة نُفذت بدقة عالية، مع باريلا ومخيتاريان يشكلان حاجزاً أمام الدفاع، بينما يحتفظ بوني ولاوتارو بعمق هجومي يُقلق دفاع روما.

غاسبيريني من جهته حاول الموازنة بين الاستحواذ والخطورة، لكن تنظيم إنتر الدفاعي أفشل معظم المحاولات. التشكيلة 3-4-2-1 الرومانية وفرت سيطرة في الوسط، لكنها افتقرت للعمق في الثلث الأخير. ديبالا وسوليه خلف مهاجم وحيد (في البداية) لم يكن كافياً لاختراق كتلة إنتر المتراصة.

تفوق إنتر في الانتقالات السريعة

أحد أبرز أسلحة إنتر كان الانتقال السريع من الدفاع للهجوم. كلما استعاد الفريق الكرة، كانت الخطوة الأولى تمريرة عمودية سريعة نحو المهاجمين أو الأجنحة. هذا الأسلوب خلق خطورة مستمرة، وكان قريباً من إضافة أهداف إضافية في أكثر من مناسبة.

روما على العكس، كانت بطيئة نسبياً في بناء الهجمات، ما أعطى إنتر وقتاً كافياً لإعادة التنظيم الدفاعي. محاولات اللعب السريع من ديبالا أو سوليه اصطدمت بتغطية زونية محكمة لم تسمح بمساحات كافية للتنفيذ.

الصدارة المشتركة: السيريا آ تشتعل

الفوز يضع إنتر في صدارة الترتيب بالتساوي مع روما ونابولي برصيد 16 نقطة لكل فريق. ثلاثة عمالقة في القمة بعد سبع جولات فقط، في مشهد يختصر الإثارة والتنافسية التي تميز الدوري الإيطالي هذا الموسم.

سقوط نابولي المفاجئ أمام تورينو في وقت سابق من اليوم بهدف سيميوني (اللاعب السابق لنابولي وابن المدرب الأسطورة دييغو سيميوني) فتح الباب أمام إنتر وروما لمشاركة القمة. إيقاف أنطونيو كونتي، المدرب الذي حقق العجائب مع نابولي الموسم الماضي، على يد باولو باروني يعطي بُعداً إضافياً للمنافسة.

المعركة على ثلاث جبهات

إنتر يخوض منافسة على ثلاث جبهات: الدوري، كأس إيطاليا، ودوري الأبطال. الحفاظ على الصدارة المشتركة رغم الجدول المزدحم يعكس العمق الكبير في الصف. كيفو يمتلك خيارات في كل مركز، والدورية التدريبية التي يديرها تسمح بالحفاظ على لياقة اللاعبين دون إجهاد مفرط.

روما من جهتها تواجه تحدياً مختلفاً: الخسارة الثانية هذا الموسم قد تؤثر على المعنويات، خاصة أنها جاءت على الأرض وأمام منافس مباشر. غاسبيريني يحتاج لاستعادة الثقة سريعاً قبل مواجهات صعبة قادمة.

نابولي بدورها ستحاول استعادة التوازن بعد التعثر المفاجئ. كونتي يملك الخبرة والشخصية لإعادة الفريق للمسار الصحيح، لكن المنافسة هذا الموسم أشد من أي وقت مضى.

ماروتا: الطموح مع الواقعية

قبل المباراة، تحدث بيبي ماروتا، رئيس إنتر، عن طموحات الفريق بواقعية: “نحن في الجولة السابعة، المهم هو الاستمرارية في الأداء. أنا متفائل جداً وواثق رغم أننا نواجه الفريق المتصدر حالياً”.

عن التوازن المالي والرياضي، أضاف: “لقد أنشأنا نموذجاً يستجيب للأهداف الرياضية، لكن يجب أن ننتبه أيضاً للاستدامة المالية. المنافسة في دوري الأبطال وكأس العالم للأندية ساعدتنا. السوق الأوروبي يوفر أكثر من الإيطالي، ويجب أن نكون أذكياء في القتال على جبهتين”.

هذه التصريحات تعكس الفلسفة التي تحكم إنتر منذ سنوات: النجاح الرياضي يجب أن يترافق مع استقرار مالي. الوصول لنهائي دوري الأبطال الموسم الماضي وفّر عائدات كبيرة، والمشاركة في كأس العالم للأندية القادمة ستضيف المزيد.

ماروتا اختتم بحذر حول الطموحات في دوري الأبطال بنظامه الجديد: “الهدف صعب تحديده مع الصيغة الجديدة، لكن بالتأكيد نريد تحقيق الأفضل”. هذه الواقعية لا تمنع الحلم بتكرار إنجاز 2010 عندما حقق إنتر الثلاثية التاريخية.