الوقت بدل الضائع، الدقيقة الخامسة بالتحديد. مشهد قاسٍ يحفر نفسه في ذاكرة جماهير ليفربول: إستيفاو ويليان، مراهق برازيلي لا يتجاوز الـ18 عاماً، يستقبل تمريرة مارك كوكوريلا داخل منطقة الجزاء ويُطلق صاروخاً لا يُرحم نحو الشباك. انفجار هستيري في ستامفورد بريدج، ولاعبو الريدز يتهاوون على أرضية الملعب محطمين تماماً.
ثلاث هزائم على التوالي. سيناريو كابوسي لفريق كان يتصدر البريميرليغ براحة قبل أسابيع قليلة فقط. أرسنال يستولي على الصدارة بعد فوزه 2-0 على وست هام في نفس الجولة، بينما ليفربول يجد نفسه فجأة في دوامة أزمة حقيقية قبيل فترة التوقف الدولية. كيف انقلبت الأمور بهذه السرعة؟
مفاجأة سلوت: فيرتس خارج التشكيلة الأساسية
التشكيلة التي أعلنها آرني سلوت حملت مفاجأة صادمة. فلوريان فيرتس، صانع الألعاب الألماني الذي تعرض لانتقادات حادة بعد الخسارة المحبطة 0-1 أمام غلطة سراي، وجد نفسه على دكة البدلاء. قرار جريء من المدرب الهولندي الذي أجرى خمسة تغييرات دفعة واحدة في محاولة لإعادة ضبط البوصلة.
خرج من التشكيلة أيضاً جونز وفريمبونغ وإيكيتيكي، بينما دخل برادلي وماك أليستر وصلاح وإيزاك. أليسون المصاب في الفخذ فسح المجال لماماردشفيلي في حراسة المرمى. رسالة واضحة من سلوت: الأداء السابق غير مقبول، والتغيير ضروري مهما كانت الأسماء.
تشيلسي بدوره أجرى ثلاثة تبديلات بعد فوزه 1-0 على بنفيكا في دوري الأبطال. أشيامبونغ وجيمس وجواو بيدرو دخلوا بديلاً عن شالوباه الموقوف (بطاقة حمراء) وبونانوتي وجورج.
قذيفة كايسيدو تُشعل الملعب مبكراً
الدقيقة 14 فقط كانت كافية لتشيلسي ليُسجل افتتاحية مذهلة. مويسيس كايسيدو استقبل الكرة في منتصف الملعب دون أي رقابة فعلية من دفاع ليفربول المتباطئ. دوران سريع وواثق، ثم قذيفة من خارج المنطقة – حوالي 25 متراً – استقرت في الزاوية بعيداً عن يد ماماردشفيلي الممدودة.
الهدف أشعل معنويات البلوز الذين لم تبدُ عليهم آثار الهزيمتين المتتاليتين في الدوري. الأداء كان منظماً وعدوانياً في نفس الوقت. كايسيدو وبينوا باديشيل في قلب الدفاع قدما عرضاً متميزاً في القراءة التكتيكية وقطع الكرات الخطيرة.
أليخاندرو غارناتشو كاد يُضاعف النتيجة حين ارتطمت تسديدته بالقائم الخارجي (39′). على الجانب الآخر، دومينيك سوبوسلاي (19′) وألكسندر إيزاك (44′) حصلا على فرص واعدة لليفربول، لكن التشطيب الضعيف أضاعها.
عودة فيرتس: 20 ثانية كافية لإحداث الفارق
في الاستراحة، اتخذ سلوت قراره الحاسم. أخرج برادلي المهدد بالطرد (بطاقة صفراء)، ودفع بفيرتس لإنعاش الهجوم الذي بدا باهتاً في الشوط الأول. سوبوسلاي انتقل للظهير الأيمن، بينما حصل الألماني على حرية التحرك في مركز صانع الألعاب.
النتيجة؟ 20 ثانية فقط احتاجها فيرتس للمسته الأولى، وكانت استعراضية بامتياز. في هجمة مرتدة خاطفة، مرر الكرة بكعبه أثناء دورانه نحو محمد صلاح على اليمين، الذي سدد فوراً لكن الكرة مرت بجوار القائم (46′). اللمسة أعادت الحياة لليفربول على الفور.
دخول فيرتس غيّر معادلة اللعب تماماً. الاستحواذ ارتفع، الهجمات أصبحت أكثر تنظيماً، والضغط تصاعد بوضوح على دفاع تشيلسي. التعادل بات مسألة وقت لا أكثر.
غاكبو يُنقذ الموقف مؤقتاً
الدقيقة 63 جلبت الأمل. إيزاك استقبل الكرة داخل المنطقة ببراعة، تخلص من مدافعه بمهارة، ثم مررها لكودي غاكبو الذي أطلق صاروخاً من مسافة قريبة لا يُصد. التعادل جاء في توقيت مثالي، خاصة بعد إصابة مزدوجة قاسية لتشيلسي: باديشيل وأشيامبونغ – المدافعان الأساسيان – اضطرا للخروج بسبب الإصابة. الدفاع المرتجل للبلوز بدا هشاً، والزخم انقلب لصالح الضيوف.
لكن كرة القدم نادراً ما تسير وفق المنطق.
القمار ينجح: إستيفاو يكتب التاريخ
إنزو ماريسكا قرر المخاطرة في الدقائق الأخيرة. رفع خط الضغط بشكل جنوني، هاجم المساحات العالية في ملعب ليفربول، وترك فراغات خطيرة في الخلف. استراتيجية محفوفة بالمخاطر، لكن الجرأة دفعت ثمنها في أسوأ توقيت ممكن للريدز.
الدقيقة 90+5: إنزو فرنانديز يُطلق تمريرة عبقرية نحو المساحة لكوكوريلا، الظهير الأيسر يندفع كالصاروخ ويمرر فوراً للداخل حيث إستيفاو ويليان – المراهق البرازيلي الذي انتقل من بالميراس بصفقة بلغت 61.5 مليون يورو.
تسديدة واحدة، زاوية محكمة، شباك ترتج. ماماردشفيلي تجمد في مكانه – الكرة كانت أسرع من ردة فعله. الملعب ينفجر، ولاعبو ليفربول ينهارون نفسياً على أرضية ستامفورد بريدج. حتى ماريسكا نفسه انفجر بالاحتفال لدرجة أن الحكم أشهر في وجهه البطاقة الصفراء الثانية – طرد مباشر بسبب الاحتفال المفرط. لكن المدرب الإيطالي لم يكترث – الفوز يستحق أي ثمن.
أين أخطأ سلوت تكتيكياً؟
قرار إبعاد فيرتس من التشكيلة الأساسية كان مفهوماً بعد أدائه الباهت أمام غلطة سراي، لكن النتيجة أثبتت أن الفريق يفتقد إبداعه بشكل صارخ. الشوط الأول كان باهتاً هجومياً، والتحسن الملحوظ جاء فقط بعد دخول الألماني. لماذا الانتظار إذن؟
المشكلة الأكبر كانت في الجانب الدفاعي. كيف يُترك كايسيدو دون رقابة حقيقية في منتصف الملعب ليُطلق قذيفة؟ كيف يُمنح إستيفاو حرية التحرك داخل المنطقة في أخطر لحظات المباراة؟ الاستبدالات الدفاعية جاءت متأخرة جداً – سلوت انتظر حتى الدقيقة 75 لتعزيز الوسط، بينما كان واضحاً منذ الدقيقة 65 أن تشيلسي بدأ يضغط بكل ثقله.
السقوط من القمة: الأرقام لا تكذب
ليفربول الآن في المركز الثالث برصيد 42 نقطة، بفارق أربع نقاط كاملة عن أرسنال المتصدر الجديد. ثلاث هزائم متتالية للمرة الأولى تحت قيادة سلوت – رقم يُشعل أجراس الإنذار.
التسلسل الكارثي يبدو كالتالي:
- الهزيمة الأولى: خسارة غير متوقعة في الدوري المحلي
- الهزيمة الثانية: 0-1 أمام غلطة سراي في دوري الأبطال
- الهزيمة الثالثة: 1-2 أمام تشيلسي بهدف قاتل في الوقت بدل الضائع
المباراة القادمة بعد التوقف الدولي ستكون جهنمية حقيقية: ديربي الشمال الغربي أمام مانشستر يونايتد يوم الأحد 20 أكتوبر. ليفربول لا يملك رفاهية هزيمة رابعة على التوالي، وإلا تحول حلم اللقب لكابوس يصعب الاستيقاظ منه.
تشيلسي من جهته يستعد لمواجهة نوتينغهام فورست (السبت 18 أكتوبر)، وهو في معنويات عالية جداً بعد انتصار درامي قد يمثل نقطة تحول حقيقية في موسمه. إستيفاو كتب اسمه بأحرف ذهبية في تاريخ النادي، فيرتس دخل لكن لم يستطع إنقاذ الموقف، وليفربول يدخل فترة التوقف الدولية في أحلك لحظاته هذا الموسم.
السؤال الآن: هل سينجح سلوت في إيقاف النزيف قبل أن يتحول لجرح غائر يُنهي آمال الموسم؟ الأسبوعان القادمان حاسمان، وأي خطأ إضافي قد يكلف غالياً جداً.


