29 عاماً. هذا ما مضى منذ آخر مرة احتفل فيها إسبانيول بفوز في سانتياغو بيرنابيو. رقم مرعب بكل المقاييس، لكن مانولو غونزاليز يراه مجرد تفصيل صغير. المدرب الكتالوني الذي حوّل فريقاً يصارع البقاء إلى منافس جدي، يستعد الآن لأصعب اختبار في مسيرته.
“إذا مرت 30 عاماً، فهذا يدل على صعوبة المباراة، لكن كريستوبال كولومبوس صنع التاريخ منذ سنوات”. الجرأة في التصريح واضحة، والثقة ليست مصطنعة. غونزاليز يعرف تماماً أن أمامه جبلاً، لكنه لا يبدو خائفاً من تسلقه.
من الدرجة الثانية إلى تهديد العمالقة
القصة بدأت في مارس 2024 حين تولى غونزاليز المسؤولية خلفاً للويس ميغيل راميس. إسبانيول كان في الدرجة الثانية، يحلم بالعودة. النتيجة؟ صعود عبر الملحق بعد فوز ملحمي على ريال أوفييدو في النهائي.
الموسم الحالي أكثر إثارة. ثلاثة انتصارات في أربع مباريات، بدون أي هزيمة حتى الآن. غونزاليز حصل على جائزة مدرب الشهر في أبريل الماضي بعد ثلاثة انتصارات متتالية أبعدت شبح الهبوط نهائياً. الأرقام تتحدث، والنتائج تؤكد أن هناك مشروعاً حقيقياً يتشكل.
“نحارب كالحيوانات”
في المؤتمر الصحفي قبل المواجهة، لم يتردد غونزاليز في الكشف عن استراتيجيته. “للفوز يجب أن نلعب المباراة المثالية، أن نفعل كل شيء بشكل صحيح ونجري كالحيوانات”. ليست مجرد كلمات، بل فلسفة عملية أثبتت نجاحها.
العام الماضي، عندما كان الوضع أسوأ بكثير، نجح إسبانيول في هزيمة ريال مدريد. “لا توجد لحظات جيدة أو سيئة، علينا أن نبدأ المباراة بشكل جيد ومن ثم نلعب المباريات المختلفة التي ستحدث” يشرح المدرب. الواقعية حاضرة، لكنها لا تلغي الطموح.
التكتيك والمرونة
حين سُئل عن احتمالية تغيير النظام التكتيكي، أظهر غونزاليز نضجاً لافتاً. “قبل كل شيء سنحاول أن نكون متماسكين قدر الإمكان، مع الأخذ في الاعتبار كيف يلعب الخصم. نعلم أنه ملعب يجب أن تصل فيه إلى المرمى المقابل لأنه بدون ذلك، التسجيل معقد جداً”.
هذا الفهم العميق لطبيعة المباراة في البيرنابيو يكشف خبرة مدرب يعي أن النجاح يحتاج تخطيطاً ذكياً وتنفيذاً مثالياً، ليس مجازفات عشوائية.
حلم الصدارة بدون ضجيج
إسبانيول قد يتصدر الليغا – مؤقتاً على الأقل – لو نجح في البيرنابيو. فرصة تاريخية، لكن غونزاليز يرفض الانجرار وراء الضجيج. “نذهب متحمسين جداً. بعد ذلك قد تضعنا قوة الخصم في مكاننا الصحيح. نذهب واثقين، نحن بحالة جيدة ومتحمسون”.
ثم يضيف بوضوح تام: “نريد أن يفوز إسبانيول، أن ينمو ويتحسن. نفكر في الفوز، وليس في إمكانية أن نكون قادة أو في ما حدث قبل 30 عاماً”. التركيز على الحاضر، بعيداً عن ثقل التاريخ والإحصائيات.
موقف واضح من الحكام
في زمن تسيطر فيه الجدالات التحكيمية على كل نقاش، يتبنى غونزاليز موقفاً مبدئياً. “يجب ترك الحكام بسلام. يخطئون لصالحنا وضدنا، أؤمن بحسن النية. إنها مهمة معقدة جداً نعقدها عليهم بالضوضاء الموجودة”.
لكنه لا يخفي الحقيقة المرة: “الأندية مثلنا تبدو كالبازلاء بجانب الآخرين. الناس تهتم فقط عندما يتضرر فريقان من الليغا. عندما يتضرر إسبانيول لا أحد يتذكر”. كلام صريح يعكس واقع الأندية الصغيرة في ظل هيمنة العمالقة.
رحلة من القاع إلى القمة
غونزاليز لم يصل صدفة. بدأ مع فريق الشباب، وصعد تدريجياً حتى قاد الفريق الأول للصعود في أول محاولة. النجاح لم يكن حظاً، بل نتيجة فهم عميق لاحتياجات الفريق وقدرة على استخراج أفضل ما لدى اللاعبين.
الإنجازات تتراكم: تجنب الهبوط بصعوبة الموسم الماضي، جائزة مدرب الشهر، تجديد العقد حتى 2027. الإدارة تثق به، والنتائج تبرر هذه الثقة.
خطة المباراة: بين الواقعية والطموح
بناءً على تصريحاته، الخطة واضحة نسبياً. دفاع منظم لا يترك مساحات، ضغط عالٍ لقطع الكرات مبكراً، هجمات سريعة مباشرة تستغل أي خطأ. “الجري كالحيوانات” ليس تعبيراً مجازياً، بل وصف دقيق لما ينتظره من لاعبيه.
ريال مدريد يسعى لتمديد سلسلة عدم الهزيمة في الليغا إلى 38 مباراة. رقم ضخم يضع ضغطاً إضافياً على أكتاف اللاعبين الملكيين، وهنا تكمن الفرصة. الضغط سلاح ذو حدين، خاصة أمام فريق لا يملك ما يخسره.
البعد النفسي: ميزة الحرية
المواجهة ليست تكتيكية فقط، بل نفسية أيضاً. فريق يحمل ثقل التوقعات أمام آخر يلعب بحرية تامة. “نذهب واثقين من إخراج شيء إيجابي. نريد أن يفوز إسبانيول ويكبر ويتحسن” يقول غونزاليز.
هذه الثقة ليست كلاماً فارغاً. فريق يعيش حالة نشوة نتيجة البداية القوية، مدرب يؤمن بقدراته، وروح معنوية مرتفعة. العناصر متوفرة، التنفيذ هو المفتاح.
الإحصائيات؟ مجرد أرقام
غونزاليز رافض تام للاحتجاج بالإحصائيات. “لا أؤمن بها، إنها كذبة حقاً. كل مباراة مختلفة، كما أن كل عام ومدرب مختلفان، الأشياء تتغير كثيراً”. منطق سليم من مدرب يعرف أن الميدان وحده يحسم الأمور.
29 عاماً بدون فوز في البيرنابيو؟ مجرد رقم لا يعني شيئاً في حسابات رجل قرر أن يكتب تاريخاً جديداً. كريستوبال كولومبوس اكتشف أمريكا رغم المستحيل، ومانولو غونزاليز يحلم بمعجزته الخاصة.
رسالة واضحة
تصريحات غونزاليز تحمل أكثر من معنى. للجماهير، دعوة للحلم والإيمان بإمكانية المستحيل. للإدارة، تأكيد أن الاستثمار في المشروع كان قراراً صائباً. للاعبين، رسالة واضحة: الفرصة أمامكم، اقتنصوها.
انتصار في البيرنابيو سيكون أكثر من مجرد ثلاث نقاط. سيكون إعلاناً أن إسبانيول عاد، وأن مانولو غونزاليز يبني شيئاً حقيقياً يستحق المتابعة. حتى التعادل سيُعتبر إنجازاً مهماً يبني عليه ثقة أكبر.
الساعات القادمة ستحسم الكثير. هل يكتب غونزاليز التاريخ أم تعيده الإحصائيات إلى حجمه الحقيقي؟ الإجابة في البيرنابيو.


