كابوس الإصابات يطارد قائد المدفعجية
الدقيقة 30 على ملعب الإمارات شهدت مشهداً مؤلماً تكرر بشكل مقلق: مارتن أوديغارد يمسك ركبته اليسرى بتعابير وجه تعكس الألم، ثم يغادر الملعب عرجاً متكئاً على الطاقم الطبي. للمرة الثالثة على التوالي في الدوري الإنجليزي الممتاز، يبدأ صانع الألعاب النرويجي أساسياً لكنه يُضطر للخروج قبل نهاية الشوط الأول.
رقم قياسي لم يتمنّه أحد: لم يسبق في تاريخ الدوري الإنجليزي أن تعرّض لاعب للاستبدال قبل الاستراحة في ثلاث مباريات متتالية بدأها أساسياً. إنجاز سلبي يعكس حالة جسدية مقلقة لقائد بعمر 26 عاماً فقط، ومأساة تكتيكية لأرسنال الذي يراهن على موهبته في كل مباراة.
التسلسل المحبط: من الكتف للركبة
المباراة الأولى جاءت ضد ليدز يونايتد، حيث اضطر أوديغارد للخروج في الدقيقة 38 بسبب مشكلة في الكتف. إصابة بدت عابرة لكنها كانت بداية سلسلة محبطة.
أمام نوتينغهام فورست، الوضع تفاقم بشكل مثير للقلق. الدقيقة 18 فقط كانت كافية لتظهر أن الكتف لم يتعافَ بالشكل الكافي. الخروج المبكر جداً أثار تساؤلات جدية حول قرار دفعه للمشاركة من الأساس.
بين المباراتين، بصيص أمل: 90 دقيقة كاملة في دوري الأبطال أمام أوليمبياكوس بيرايوس يوم الأربعاء الماضي. ليس فقط أنهى اللقاء، بل صنع هدف الحسم الثاني لبوكايو ساكا. الأداء كان مطمئناً، والجميع ظن أن الكابوس انتهى.
لكن السبت أعاد السيناريو المرعب. هذه المرة ليست الكتف، بل الركبة اليسرى بعد احتكاك قوي مع كريسينسيو سامرفيل لاعب وست هام.
اللحظات الأولى: بين الأمل والإنكار
الدقيقة 13 شهدت مشاركة هجومية جيدة من أوديغارد، حيث افتتح فرصة خطيرة لزملائه – آخر مساهمة إيجابية قبل الكارثة.
الدقيقة 20 جاءت بالصدمة: الاصطدام ركبة بركبة مع سامرفيل، والنرويجي يسقط أرضاً فوراً ممسكاً بالمنطقة المصابة. لغة الجسد واضحة – هذه ليست إصابة بسيطة.
أوديغارد حاول التحمل، عاد للملعب وواصل اللعب 10 دقائق إضافية. محاولة شجاعة لكنها فاشلة. الألم تصاعد، والحركة تقيدت، والقرار الطبي كان حاسماً: الخروج ضروري.
مارتن زوبيميندي، الصفقة الصيفية القادمة من ريال سوسيداد بـ 60 مليون يورو، دخل بديلاً. لاعب موهوب، لكنه ليس أوديغارد.
أرتيتا يكشف التفاصيل: “شعر بعدم الارتياح فوراً”
بعد المباراة، ميكل أرتيتا لم يخفِ قلقه. “كان اصطداماً ركبة بركبة، وشعر بعدم الارتياح على الفور”، قال المدرب الإسباني بنبرة لا تحمل تفاؤلاً.
وصف حالة اللاعب النفسية كان أكثر قتامة: “رأيته محبطاً وليس إيجابياً”. عبارة تحمل معاني أعمق من مجرد وصف طبي – أوديغارد نفسه يعرف خطورة الوضع.
الأحد مساءً، جاء البيان الرسمي من النادي: إصابة في الرباط الجانبي الداخلي للركبة اليسرى. أوديغارد لن ينضم للمنتخب النرويجي خلال فترة التوقف الدولية، وسيبقى في لندن “للخضوع لمزيد من الفحوصات والعلاج، بهدف العودة للملاعب في أسرع وقت ممكن”.
التقارير الإعلامية البريطانية تتحدث عن “أسابيع وليس أشهر” – عبارة تحاول طمأنة الجماهير لكنها تخفي قلقاً حقيقياً. حتى لو كانت 3-4 أسابيع، فهذا يعني غيابه عن 6-7 مباريات حاسمة.
التأثير التكتيكي: أرسنال بدون عقله المدبر
أوديغارد ليس مجرد لاعب خط وسط موهوب، بل العقل التكتيكي الذي يوجه هجمات أرسنال. الإحصائيات تكشف دوره المحوري:
- متوسط 2.3 تمريرة حاسمة لكل مباراة – الأعلى في الفريق
- 86% دقة تمريرات في الثلث الأخير
- 4.1 فرص خطيرة يصنعها كل 90 دقيقة
- القيادة الميدانية التي توجه الحركة بدون الكرة
غيابه يعني إعادة هيكلة كاملة للخطة الهجومية. زوبيميندي لاعب مختلف – أكثر دفاعية، أقل إبداعاً في المساحات الضيقة. أرتيتا سيحتاج لإيجاد صيغة بديلة، ربما بدفع كاي هافيرتز للأمام أو إعطاء فابيو فييرا فرصة أكبر.
الجانب الإيجابي الوحيد: الفوز رغم الغياب
أرسنال انتصر 2-0 على وست هام رغم خروج قائده. ديكلان رايس وبوكايو ساكا سجلا الهدفين، والفريق سيطر على المباراة بشكل مريح. رسالة طمأنة أن العمق موجود، لكنها لا تلغي خطورة فقدان أوديغارد.
المباريات القادمة بعد التوقف الدولي ستكون حاسمة:
- فولهام (18 أكتوبر) – مواجهة يُفترض أن تكون سهلة نظرياً
- أتلتيكو مدريد (21 أكتوبر) – اختبار أوروبي قاسٍ في دوري الأبطال
غياب أوديغارد في مباراة أتلتيكو سيكون مؤلماً بشكل خاص. فريق دييغو سيميوني المنضبط تكتيكياً يتطلب إبداعاً استثنائياً لاختراق دفاعه – بالضبط ما يوفره النرويجي.
نمط مقلق: الهشاشة الجسدية المتكررة
هذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها أوديغارد من إصابات متكررة. الموسم الماضي شهد غيابات متعددة بسبب مشاكل عضلية ومفصلية. السؤال الأهم: هل هناك مشكلة بنيوية في إدارة اللاعب بدنياً؟
بعض العوامل المحتملة:
- الضغط الزائد: أوديغارد يلعب كل المباريات تقريباً عندما يكون سليماً
- نمط اللعب: الحركة المستمرة والاحتكاكات الكثيرة تزيد احتمال الإصابات
- التعافي غير الكامل: العودة السريعة من إصابة الكتف ربما كانت متسرعة
أرسنال يحتاج لمراجعة جدية لبرنامج اللاعب البدني والتعامل مع إصاباته بصبر أكبر، حتى لو كلف ذلك نقاطاً على المدى القصير.
الأسابيع القادمة ستكشف الكثير: هل سينجح الطاقم الطبي في إعادته سريعاً وبشكل آمن؟ أم أن الرقم القياسي المحزن سيتحول لغياب طويل يهدد طموحات اللقب؟ المدفعجية يتصدرون الآن، لكن بدون قائدهم، الرحلة ستكون أصعب بكثير.