الملحمة المغربية تكتمل: من الحلم إلى الواقع
في ليلة لن يمحوها التاريخ الكروي الأفريقي، كتب المنتخب المغربي تحت 20 عاماً فصلاً جديداً من الإنجازات بإقصائه المفاجئ لفرنسا، المرشح الأبرز للقب، عبر ركلات الترجيح 5-4 بعد تعادل مثير 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي. الأشبال المغاربة بلغوا نهائي كأس العالم تحت 20 عاماً 2025 في إنجاز تاريخي يُضاف لسجل الكرة الأفريقية المشرّف.
المواجهة التي أُقيمت في نصف النهائي حملت كل مقومات الدراما الكروية: هدف ساخر من خطأ حارس، تعادل متأخر، طرد مؤثر، وحسم مثير عبر ركلات الترجيح. الأشبال الأفارقة أثبتوا أن الإرادة والروح القتالية قد تتفوق على الإمكانيات والأسماء اللامعة.
الآن، ينتظر المغرب موعداً مع التاريخ أمام الأرجنتين، حامل اللقب ووريث إرث ليونيل ميسي، في نهائي يُقام يوم 19 أكتوبر عند الساعة الثانية فجراً بتوقيت فيتنام (منتصف الليل بتوقيت المغرب العربي). مواجهة بين العملاق الجنوب أمريكي والظاهرة الأفريقية التي فاجأت العالم.
الدقيقة 32: خطأ قاتل يفتح الباب
السيناريو بدأ بشكل غير متوقع في الدقيقة 32، عندما ارتكب حارس المرمى الفرنسي ليزاندرو أولميتا خطأً فادحاً تسبب في هدف عكسي منح المغرب التقدم المبكر. الكرة التي بدت بسيطة في التعامل تحولت لكابوس للحارس الشاب، الذي فشل في السيطرة عليها لتستقر في شباكه تحت ضغط المهاجمين المغاربة.
هذا الهدف لم يكن محض صدفة، بل نتيجة ضغط مدروس ومستمر من الخط الأمامي المغربي. الأشبال نفذوا تعليمات المدرب بدقة: الضغط العالي المبكر على خط دفاع فرنسا، منع الحارس من اللعب المريح بالكرة، وإجباره على اتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط. النتيجة جاءت في شكل خطأ قاتل حوّل مسار الشوط الأول.
فرنسا، المفاجأة بالتخلف رغم السيطرة الواضحة على الحوزة، وجدت نفسها في موقف دفاعي غير معتاد. الفريق الذي وصل لهذا الدور بقوة هجومية طاغية، بات مطالباً بقلب النتيجة أمام منتخب منظم دفاعياً ولا يخشى المواجهة.
الشوط الثاني: لوكاس ميشيل يُعيد التوازن
فرنسا خرجت للشوط الثاني بروح مختلفة، عازمة على تصحيح الأخطاء وإنقاذ حلم اللقب. الضغط الفرنسي تصاعد، والفرص تكاثرت، حتى جاءت لحظة التعادل على يد لوكاس ميشيل، الذي أعاد الأمل للممثل الأوروبي الأخير في البطولة بعد إقصاء جميع المنتخبات الأوروبية الأخرى في الأدوار السابقة.
ميشيل، أحد النجوم البارزين في التشكيلة الفرنسية طوال البطولة، استغل خطأً تنظيمياً في الدفاع المغربي ليسدد كرة قوية سكنت الشباك، معلناً بداية الضغط الفرنسي الحقيقي. الهدف أعاد المباراة للتوازن، لكنه فتح الباب أمام 45 دقيقة (مع الوقت الإضافي) من المعاناة الشديدة للطرفين.
الطرد الذي غيّر كل شيء
الوقت الإضافي شهد المنعطف الأكثر تأثيراً: طرد رابي نزينغولا، أحد أعمدة خط وسط فرنسا، بعد حصوله على البطاقة الحمراء. القرار التحكيمي، رغم جداله، ترك “ليه بلويه” (الزرق الصغار) بعشرة لاعبين في أحرج الأوقات.
النقص العددي قلب الموازين تماماً. المغرب، الذي كان يدافع بضراوة ويحاول خطف هدف من الهجمات المرتدة، وجد مساحات أكبر للتحرك والتهديد. فرنسا، رغم محاولاتها اليائسة لاستغلال الدقائق المتبقية، فقدت توازنها التكتيكي وباتت عرضة للأخطاء الفادحة.
الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي شهدت ضغطاً مغربياً متصاعداً، مع فرص حقيقية لحسم التأهل في الوقت الأصلي، لكن الحارس أولميتا – الذي تسبب في الهدف الأول – استعاد بعض ثقته بتصديات مهمة أنقذت فريقه من الهزيمة المبكرة.
ركلات الترجيح: أعصاب فولاذية أفريقية
بعد 120 دقيقة من الإثارة الخالصة، حانت لحظة الحسم من النقطة البيضاء. خمس ركلات لكل فريق، وقلوب ملايين المشجعين تتوقف عن النبض مع كل خطوة نحو الكرة.
المغرب أظهر أعصاباً باردة بشكل مذهل. الشبان الذين يخوضون أول تجربة كبرى لهم على المستوى العالمي، تقدموا للتنفيذ بثقة لافتة. خمس ركلات، خمس شباك اهتزت. لا مجال للخطأ، لا مكان للتردد. الدقة والهدوء كانا سيدا الموقف.
فرنسا من جهتها، رغم الخبرة الأوروبية والإمكانيات الفنية، تعثرت في ركلة واحدة حاسمة. الحارس المغربي، الذي كان بطلاً صامتاً طوال المباراة، قدّم تدخلاً حاسماً في إحدى الركلات، بينما سددت ركلة أخرى بعيداً عن الإطار. النتيجة النهائية 5-4 للمغرب، وانفجار من الفرحة الأفريقية هزّ أرجاء الملعب.
“الزلزال الأفريقي” يضرب البطولة
وسائل الإعلام العالمية وصفت إقصاء فرنسا بـ”الزلزال الأكبر في البطولة”. المرشح الأوفر حظاً للقب، الفريق الذي ضم نجوماً من أكاديميات أكبر الأندية الأوروبية، خرج على يد منتخب أفريقي كان يُعتبر “الحصان الأسود” في بداية البطولة.
المغرب لم يكتفِ بإقصاء فرنسا، بل كتب فصلاً جديداً في تاريخ الكرة الأفريقية على مستوى الفئات السنية. الإنجاز يُضاف لسجل حافل بدأ مع الجيل الذهبي للمنتخب الأول في كأس العالم 2022 عندما بلغ نصف النهائي، محققاً أفضل إنجاز عربي وأفريقي في تاريخ البطولة.
الأرجنتين: ورثة ميسي في طريق الأشبال
في نصف النهائي الآخر، حسمت الأرجنتين تأهلها بفوز صعب 1-0 على كولومبيا بفضل هدف ماتيو سيلفيتي الوحيد في الدقيقة 72. المباراة التي جمعت عملاقين جنوب أمريكيين كانت أقل إثارة من الملحمة المغربية-الفرنسية، لكنها أكدت جاهزية “الألبيسيليستي الصغار” للمعركة النهائية.
سيلفيتي، المهاجم الواعد، استغل خطأً دفاعياً كولومبياً ليسجل الهدف الذي حمل بلاده للنهائي. الأرجنتين، الباحثة عن اللقب لتأكيد هيمنتها على كرة القدم العالمية بعد انتصارات المنتخب الأول في كوبا أمريكا 2024 وكأس العالم 2022، تبدو جاهزة لتحدي المغرب.
جيل ما بعد ميسي يبحث عن الإثبات
وصف الإعلام الأرجنتيني المنتخب تحت 20 عاماً بـ”أبناء ميسي الصغار”، في إشارة رمزية للجيل الذي نشأ يشاهد البرغوث يحقق كل شيء مع الألوان الأرجنتينية. هؤلاء الشبان يحملون على أكتافهم مسؤولية إكمال المشوار وإثبات أن خط الإنتاج الأرجنتيني للمواهب لم يتوقف.
الأرجنتين وصلت للنهائي بدفاع صلب لم يتلقَ سوى هدفين في ست مباريات، وخط هجوم فعّال سجل 12 هدفاً. التوازن بين القوة الدفاعية والخطورة الهجومية يجعل من الألبيسيليستي مرشحاً قوياً للقب، خاصة مع الخبرة الكبيرة في البطولات الكبرى.
لكن المغرب لن يكون فريسة سهلة. الروح القتالية التي أظهرها الأشبال أمام فرنسا، والثقة المتزايدة بعد كل مباراة، والدعم الجماهيري الهائل من العالمين العربي والأفريقي، كلها عوامل قد تقلب الموازين.
المسيرة المغربية: من التأهل الصعب للحلم الكبير
المغرب لم يصل للنهائي بالصدفة. المنتخب بدأ البطولة بأداء متواضع في دور المجموعات، حيث تأهل كأحد أفضل المنتخبات الثالثة بفارق الأهداف. الكثيرون توقعوا خروجاً مبكراً في دور الستة عشر، لكن الأشبال فاجأوا الجميع.
في دور الـ16، أطاح المغرب بإسبانيا بركلات الترجيح في مواجهة ماراثونية. في ربع النهائي، تغلب على البرازيل صاحبة الألقاب الخمسة في نفس البطولة، في مفاجأة من العيار الثقيل. ثم جاءت الليلة الفرنسية لتكتمل الملحمة.
السلاح السري: الوحدة والإيمان
المحلل التكتيكي البرازيلي كارلوس ألبرتو باريرا وصف المغرب بـ”الفريق الذي يلعب بقلب واحد”. ما ينقص الأشبال في النجومية الفردية، يعوضونه بالانضباط التكتيكي والتضحية الجماعية. كل لاعب يعرف دوره بدقة، وكل خط يعمل في خدمة الآخر.
الحارس المغربي قدّم أداءً بطولياً طوال البطولة، بتصديات حاسمة في اللحظات الكبرى. خط الدفاع، المنظم بشكل نموذجي، أحبط أخطر الهجمات بقراءة ذكية وشراسة مطلوبة. خط الوسط، القادر على التحول السريع من الدفاع للهجوم، فاجأ الخصوم بديناميكيته. الهجوم، رغم محدودية النجومية، استغل الفرص القليلة بكفاءة عالية.
لويس إنريكي (المدرب المغربي): العقل المدبر
وراء هذا النجاح يقف طاقم فني يستحق التقدير. المدرب (لم يُذكر اسمه في المقال الأصلي) نجح في بناء فريق متماسك من لاعبين لا يلعبون في أكبر الأندية الأوروبية، لكنهم يحملون روحاً قتالية لا تُقهر.
الفلسفة التكتيكية واضحة: دفاع منظم بخمسة لاعبين عند الحاجة، ضغط عالٍ في مناطق معينة، اعتماد على الهجمات المرتدة السريعة، وثقة كاملة في القدرة على حسم المباريات الكبيرة في ركلات الترجيح. هذا النهج البراغماتي أثبت فعاليته أمام منتخبات أقوى ورقياً.
الإعداد النفسي: المفتاح الخفي
الجانب النفسي كان عاملاً حاسماً في نجاح المغرب. الأشبال لم يخافوا من الأسماء الكبيرة، لم يرتعبوا من السمعة الأوروبية أو الجنوب أمريكية، ولم يفقدوا أعصابهم في اللحظات الحاسمة. الثقة بالنفس، المزروعة عبر الإعداد الجيد والنجاحات المتتالية، تحولت لسلاح فتاك أمام خصوم أكثر خبرة.
جلسات الفيديو المكثفة، دراسة نقاط ضعف الخصوم، والتدريبات على ركلات الترجيح – كل هذه التفاصيل الصغيرة تراكمت لتصنع الفارق في اللحظات الكبرى.
النهائي: حلم عربي أفريقي أمام عملاق جنوب أمريكي
المواجهة النهائية بين المغرب والأرجنتين تحمل رمزية كبيرة. من جهة، منتخب أفريقي عربي يمثل القارة السمراء والعالم العربي بأكمله، يحلم بتحقيق إنجاز تاريخي لم يسبق لأي منتخب أفريقي تحقيقه على مستوى تحت 20 عاماً. من جهة أخرى، عملاق جنوب أمريكي صاحب تاريخ حافل في هذه البطولة، يسعى لإضافة لقب جديد لخزانته الممتلئة.
الأرجنتين ستدخل المباراة كمفضلة بناءً على التاريخ والخبرة والإمكانيات. لكن المغرب أثبت في الأدوار الإقصائية الثلاثة الأخيرة أن المفاجآت ممكنة، وأن الإرادة قد تكسر جميع التوقعات.
العوامل الحاسمة
اللياقة البدنية: المغرب خاض ثلاث مباريات متتالية امتدت للوقت الإضافي، بينما حسمت الأرجنتين معظم مبارياتها في الوقت الأصلي. عامل الإرهاق قد يلعب دوراً.
الخبرة في النهائيات: الأرجنتين لعبت ثلاثة نهائيات سابقة في هذه البطولة (فازت بواحدة)، بينما هذه أول مرة للمغرب. الضغط النفسي سيكون مختلفاً.
الدعم الجماهيري: رغم إقامة البطولة في تشيلي (حسب المعلومات العامة)، فإن الجالية العربية والأفريقية ستكون حاضرة بقوة لدعم الأشبال المغاربة.
التكتيك: هل سيحافظ المغرب على نهجه الدفاعي والاعتماد على المرتدات، أم سيحاول فرض اللعب أمام أرجنتين تجيد التحكم بالكرة؟
الرهان الأفريقي: كسر الحاجز النفسي
فوز المغرب باللقب لن يكون مجرد إنجاز رياضي، بل سيكسر حاجزاً نفسياً كبيراً أمام الكرة الأفريقية. لطالما وُصفت المنتخبات الأفريقية بأنها تفتقد “العقلية الفائزة” في المحافل الكبرى، وأنها تتألق في الأدوار الأولى ثم تنهار تحت الضغط.
المغرب تحت 20 عاماً، بوصوله للنهائي وإقصائه لثلاثة عمالقة (إسبانيا، البرازيل، فرنسا)، يُعيد كتابة هذه الرواية. الأشبال أثبتوا أن الكرة الأفريقية قادرة على المنافسة في أعلى المستويات، وأن النجاح لا يحتاج بالضرورة لنجوم في أكبر الأندية، بل لروح جماعية وإيمان بالنفس.
اللقب سيكون تتويجاً لجهود طويلة في تطوير كرة القدم المغربية على مستوى الفئات العمرية، وسيفتح الباب أمام جيل جديد من اللاعبين للحلم بالوصول للقمة.
الموعد محدد: 19 أكتوبر، الساعة الثانية فجراً. ملايين القلوب ستتوقف عن النبض، والأحلام ستُكتب على أرضية الملعب. المغرب على بُعد 90 دقيقة (أو ربما أكثر) من خلود تاريخي لن يُمحى أبداً.